عمر يحث المسلمين على الجهاد

أرسل عمر بن الخطاب t إلى الأمراء والخطباء والشعراء في كل أطراف الجزيرة العربية لكي يحثُّوا الناس على الجهاد؛ فجاء إلى المدينة وفي وقت قليل -أقل من شهر- حوالي أربعة آلاف مسلم من الجزيرة العربية، منهم ثلاثة آلاف من اليمن وألف من قبيلة قيس، وقرروا أن يخرجوا للجهاد في سبيل الله سواء إلى الشام أو إلى العراق، لكن عمر بن الخطاب t اختار العراق؛ لأن الشام في هذا الوقت كانت الحروب فيها قد تقدمت تقدمًا عظيمًا لصالح المسلمين تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح.

جمع عمر بن الخطاب t أربعة الآلاف مقاتلٍ في مكانٍ على بعد خمسة كيلو مترات من المدينة المنورة يُسمَّى "صرار"، وبدأ في تجهيز الجيش وتنظيمه؛ فجعل على الميمنة الزبير بن العوام t، وعلى الميسرة عبد الرحمن بن عوف t، وجعل نفسه على المقدمة، واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب t، فقد خرج t بكل طاقة المدينة المنورة، وخرج هو على رأس هذا الجيش.

لم يكن عمر t يرى أن من الحكمة أن يخرج بنفسه -وهو أمير المؤمنين والمسئول الأول عن الدولة الإسلامية الممتدة شرقًا وغربًا، والتي تحارب جيوشُها في أكثر من جهة لنشر الإسلام- مع الجيش الخارج للقتال في فارس ويترك المدينة المنورة، فكيف يكون الحال إذا قُتِلَ مثلاً؟ لا شك أنها ستكون كارثة، ولكنه خرج ابتداءً استكمالاً لبذل الجهد، وحثًّا للناس على الخروج للجهاد في سبيل الله.

فقال عمر t للناس: أَشِيرُوا عليَّ. أي في أمر خروجي معكم.

فقال عامة الناس: سِرْ وسِرْ بنا معك.

عامة المسلمين -إذن- يريدون الخروج للحرب تحت إمرة عمر بن الخطاب t!

ونذكر قول أبي بكر الصديق t: والله إني وددتُ أني أبعث إلى الشام بأبي عبيدة بن الجراح، وإلى العراق بعمر بن الخطاب. ولكنه احتاجه للرأي والمشورة فأبقاه في المدينة، وكان أبو بكر t يومها خليفةً للمسلمين، فكيف الحال الآن وأبو بكر t قد تُوُفِّي: أتُتْرَكُ المدينة وهي مركز الإدارة للدولة الإسلامية دون أن يكون فيها عمر؟!

وافق عمر بن الخطاب t على رأي العامة وهو لا يراه صوابًا، لكنه انتظر رأيًا آخر، فقام علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما -وهما من كبار الصحابة- وقالا كما قال العامة: سِر وسِر بنا معك.

فقام العباس بن عبد المطلب وقال: لا والله لا أرى ذلك رأيًا! بل تبقى في المدينة ويخرج على المسلمين أحد صحابة رسول الله r.

وقام عبد الرحمن بن عوف وقال: والله إني أرى رأي العباس، لا تخرج من المدينة، وتبقى على إمرة المسلمين ويخرج غيرك على إمرة الجيش. وكان عمر بن الخطاب t يسمع لرأي العباس وعبد الرحمن بن عوف قبل ذلك كثيرًا، وهما ذوا خبرة وحكمة في الأمور، وكان المسلمون إذا احتاجوا شيئًا من عمر بعثوا له عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، وإلا أرسلوا له العباس رضي الله عنهم جميعًا.

وبدأ المسلمون يتناقشون في هذا الأمر، فقام عبد الرحمن بن عوف t وقال مخاطبًا عمر t: اجعلني فداك بأبي وأمي، تبقى للمسلمين في المدينة، والله أخشى لو خرجت لقتال الفرس في العراق وقُتِلْتَ ألاّ يكبر المسلمون بعد ذلك، ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله!!

سمع ذلك المسلمون فتراجع على الفور علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما عن رأيهما، وكانا من كبار أصحاب الرأي بخروج عمر t مع الجيش، وعندما رأى عامة المسلمين تراجع هذين -رضي الله عنهما- وافقوا جميعًا على بقاء الفاروق t بالمدينة، وخروج أحد صحابة النبي r على إمرة الجيش.

مشكور على المجهود الطيب

بارك الله فيك جزاك الله خير

الله يعطيك العافيه